Site icon

* أهمية الأدب في حياة المسلم *  

عروض وأبحات
قدمت بمناسبة تدشين الزاوية التجانية الكبرى لسيدي محمد الكبير التجاني
بحي بريمة
27 ماي 2006 / 29 ربيع الثاني 1427
* أهمية الأدب في حياة المسلم *  

 

يعطى الإسلام للأدب في حياة المسلم أهمية بالغة سواء في مجال تعبده الله سبحانه أم في مجال معاشه اليومي وسلوكه العام.

وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل الناس أحسنهم خلقا “رواه ابن ماجة والحاكم في مستدركه عن أبن عمر رضي الله عنهما. واعتز الرسول صلى الله عليه وسلم بتأديب الله له إذ قال : ” أدبني ربي فأحسن تأديبي” رواه ابن السمعاني في أدب الإملاء عن عبد الله بن مسعود (ض). وسئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت : “كان خلقه القرآن” رواه احمد وابو داود وبان ماجة. وروى أحمد في المسند عن أبي الدرداء (ض) أنه صلى الله عليه وسلم قال : “إذا سمعتم بجبل  زال من مكانه فصدقوا وإذا سمعتم برجل زال عن خلقه فلا تصدقوا، فإنه يصير إلى ما جبل عليه”.

وقد خص العلماء جميع أحكام الشريعة في العبادات والمعاملات و القضاء والفتوى والأحوال الشخصية والمواريث وغيرها بآداب خاصة بكل منها لا يكمل فهمها ولا أداؤها حتى تؤدى بهذه الآداب، فهناك آداب الطهارة، وآداب الصلاة، وآداب الصيام، وآداب الحج وآداب الزكاة، وآداب المساجد، وآداب الذكر، وآداب التلاوة، وآداب المجالس، وآداب الطريق، وآداب الأكل، وآداب الضيافة، وآداب الاستئذان…

وهناك آداب العالم، وآداب المتعلم، وآداب القارئ وآداب الإمام، وآداب المؤذن وآداب الخطيب، وآداب الفقير، وآداب الغني، وآداب التاجر، وآداب الصانع، وآداب الموظف وآداب الشاهد، وآداب القاضي…

وافرده كثير من العلماء بالتأليف تارة باسم الأخلاق كما في كتاب “أخلاق الأبرار والنجاة من الأشرار “للإمام الغزالي، وكتاب “الأدب في الدين” له أيضا.

وكما فعل الراغب الأصبهاني في كتابي “أخلاق الراغب” والإمام أبو بكر محمد الزجري في كتابه أخلاق العلماء، والشيخ فخر الدين الرازي في كتابه كذلك “أخلاق العلماء” والشيخ محمد الوراق في كتابه “أخلاق النبي” والإمام محمد الأسدي القدسي في كتابه “أخلاق الأخيار في مهمات الأذكار”، والشيخ المظفر ابن عماد البرمكي في كتابه “أخلاق الأتقياء” إلخ.

وتارة باسم الآداب كما في “الآداب الحميدة” للإمام الطبري، و “آداب الحكماء” للشيخ احمد الحاتمي، و “آداب الدرس أو تعليم المتعلم” للإمام برهان الدين الزنوجي الحنفي وهي آداب تتعلق بالتلميذ والأستاذ من جهة وبالأستاذ والتلميذ من جهة أخرى.

وكما في “الآداب الشرعية والمصالح المرعية” للشيخ محمد أبن مفلح الحنفي، و “آداب السياسية” لعز الدين ابن الأثير” و “آداب العلم” للحافظ ابن عبد البر القرطبي، و “آداب الفتوى” للحافظ عبد الرحمان السيوطي، و “آداب القراءة” لابن قتيبة النحوي، و “آداب المفتي والمستفتي” للشيخ تقي الدين المعروف بابن الصلاح الشافعي، و “أدب الدنيا والدين”: للإمام أبي الحسن على الماوردي الشافعي، و “آداب المريدين” للشيخ عبد القاهر السهر اوردي، و “آداب الصوفية” للشيخ محمد النيسابوري الخ.

ولعلماء السلف الصالح في أهمية الأدب أقوال مشهورة وحكم مأثورة: قال معاذ بين جبل (ض) : “حف الإسلام بمكارم الأخلاق ومحاسن الآداب”. وقالوا : الأدب نظام جميع الأعمال وملاك جميع المقامات والأحوال “. وقالوا : “ترك الأدب يوجب الطرد فمن أساء الأدب على البساط يرد إلى الباب ومن أساء الأدب على الباب يرد إلى سياسة الدواب”.

وقالوا : “التوحيد يوجب الإيمان فمن لا توحيد له لا إيمان له والإيمان يوجب العمل بالشريعة فمن لا شريعة له لا إيمان له ولا توحيد له والشريعة توجب الأدب فمن لا أدب له فلا شريعة له ولا توحيد له ولا إيمان له”.

وقال الحافظ العارف بالله عبد الله بن المبارك :”من تهاون بالأدب عوقب بحرمان السنن ومن تهاون بالسنن عوقب بحرمان الفرائض ومن تهاون بالفرائض عوقب بحرمان المعرفة بالله”. أنظر البغية للعلامة سيد العربي بن السائح”.

ويهمنا الآن من أصناف الآداب  آداب المجالس وخاصة في المساجد والزوايا، فكم تتعدد المناسبات التي يجتمع فيها المسلمون قليلين أو كثيرين من أجل أداء المهام الدينية  كصلاة الجماعة وصلاة الجمعة وصلاة العيدين وحج بيت الله الحرام وحلقات التلاوة والذكر وحلقات العلم والوعظ ومجالس الاحتفالات الشعبية والولائم المشروعة وغيرها.

وقد شرع الإسلام لهذه المجالس آدابا فردية وجماعية تضفي على المسلم صفات الطاعة لله ورسوله وصفات الحياء والتواضع مع إخوانه المسلمين، وتضفي على المجالس صفات الوقار والسكينة والاحترام.

فمن آداب الفرد في المجالس :

– يزيل ما في نعليه من الأذى

– يذكر اسم الله

– يسلم على من حضر أو على نفسه إن كان المسجد خاليا من الناس

– يسأل الله أن يفتح له أبواب الرحمة

– يبادر بتحية المسجد إن كان في وقت لم ينه فيه عن الصلاة

– يلازم مراقبة الله

– يقلل مخاطبة الناس

– لا يرفع صوته (انظر الأدب في الدين للإمام الغزالي)

ومن آداب الجماعة :

وليست هذه المسألة من باب علاقة المعلم بتلاميذه كما يظن بعض الناس، فهذه علاقة أبوة وبنوة تربوية بخلاف المجالس العامة فإن علاقة هؤلاء التلاميذ الصغار واليافعين الأمراد بالرجال هي علاقة حذر منها علماء السنة وعلماء السلوك واعتبروها مثار فتنة بالإجماع يأثم بها من تسبب في هذه الفتنة سواء أمنت من طرف الناظر أم لم تؤمن.

وعلى الذي لا ينشد أن يتأدب ويفسح المجال للمنشدين أو لطلبة القرآن بالتقارب بينهم من تلقاء نفسه.

 

هذه أيها الإخوة الفقراء والمستمعون بعض التوجيهات التي تتعلق بمجالس الذكر والعلم والقرءان والأمداح أنجزتها بناء على ملاحظات كثيرة لاحظتها في بعض مجالس القراء والمادحين وبعض مجالس التعليم والتعلم، استجبت فيها لنداء الضمير ومسؤولية مضمون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم “بلغوا عني ولو آية” رواه البخاري وأبو داود والإمام أحمد عن عبد الله بن عمر (ض) ومضمون حديثه صلى الله عليه وسلم “الدين النصيحة” الذي رواه البخاري وغيره.

أيها الإخوة، لقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الإذعان للبدع والمنكرات والسكوت عنها. وأشد البدع والمنكرات ما كان في المساجد والزوايا. وبقدر ما هي أشد البدع والمنكرات بقدر ما يكون السكوت عنها من أعظم المعاصي نعوذ بالله، وأكبر ما يمنع النصيحة في هذا الزمان هو رفض النصيحة من بعض الإخوان.

وقد قال صلى الله عليه وسلم “لا يحقرن أحدكم نفسه فقالوا يا رسول الله كيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال: يرى أمر الله فيه مقال (أي فيه ما يقول) ثم لا يقول، فيقول الله يوم القيامة ما منعك أن تقول في كذا وكذا فيقول يا ربي خشيت الناس فيقول الله إياي كنت أحق أن تخشى” رواه أحمد وبن ماجة عن أبي سعيد الخدري(ض).

ومن هنا وجب التجرؤ – في حدود الأدب والإمكان – على قول الحق ولو كان مقلقا أحيانا، إذ كيف السكوت عنه وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ” كاتم العلم يلعنه كل شيء حتى الحوت في البحر والطير في السماء”. رواه بن الجوزي عن أبي سعيد الخدري (ض) وهو حديث صحيح، وروى الحافظ عبد الله بن المبارك أنه صلى الله عليه وسلم قال: “الساكت عن الحق كالمتكلم بالباطل وكاتم الشهادة كشاهد الزور ومحرم الحلال كمحلل الحرام”، (انظر “الجواب المسكت” للعلامة سيدي محمد أكنسوس).

أيها الإخوة بالمناسبة أتذكر بعض ما ورد في حواراتنا مع سيدنا محمد الكبير في جلساته النيرة وهو يحث على نشر الإرشاد بين الفقراء وأنا أجيبه وأؤكد له (ض) أن الإرشاد والنصح أصبحا غير مقبولين ثم يعيد التأكيد على ضرورة قول الحق والتصريح به مهما كانت نتائج التلقي.

فاسمحوا لي جزاكم الله خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله.

 

أخوكم البشير المحمودي

 

Exit mobile version