مقالاتمواضيع مختلفة

مقارنة بين ثلاث محدثات مستجدات (المولد النبوي، وصلاة القيام،وعشاء الوالدين)

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد الفاتح الخاتم وعلى آله وصحبه أجمعين

ما يملأ الساحة الإعلامية بكل تفرعاتها بمناسبة حلو ذكرى المولد النبوي الشريف إجترار الآراء والتدافعات بين فريقين متصارعين كل يحاول إثبات شرعية ومعقولية الإحتفال أوعدمها منتصرا لحججه الشريعية والعقلية.

وفي إطار  توضيح حقيقة صعار التدافع بين الفريقين الذي أشعله فريق المضيقين للبدعة  الساقطين في تناقضات الفتاوى المرتبكة في قضايا ونوازل حسمت منذ قرون نفضوا عنها تراب السكون والتسليم وأبرزوها على الساحة في أثواب جديدة محاولين إيهام عامة الناس بمعقوليتها وشرعيتها، فكشفوا للعالمين عن جهلم التام والحقيقي لأبسط قواعد التأصيل والإجماع والقياس.

يكشف الدكتور عبد الإله بن حسين العرفج بأسلوب علمي رسين عن حقيقة منهج المضقين للبدعة المتناقض

وننشر على صفحات الموقع الفصل العاشر من كتابه

 مفهوم البدعة وأثرها في اضطراب الفتاوى المعاصرة دراسة تأصيلية تطبيقية 

الصفحات من 375 إلى 380 

وعلى من يريد المزيد من التفاصيل عن الدراسة المتأنية للبدعة قراءة الكتاب ليستبين الحق وتنجلي أمام عينيه حقيقة 

المضيقين للبدعة التي دوخوا ( فعل رباعي متعد /  دوخ دماغه: أي أصابه بدوار ولم يعد يفقه شيئا ) بها عامة الناس فحرموهم من ممارسة العديد من الفضائل فساهموا بذلك في المزيد من تشردم الأمة وتفرقتها وتعميق أميتها.

 

الفصل العاشر[1]

مقارنة بين ثلاث محدثات مستجدات

(المولد النبوي، وصلاة القيام،وعشاء الوالدين)

 

     لعله من المناسب قبل أن أختم الكتاب أن أعقد مقارنة بين ثلاث محدثات شرعية لم يرد بشأنها ـ على كيفياتها المعهودة في زماننا ـ دليل خاص ، ولكن قد وردت في شأنها أدلة عام، يستدل بها فاعلوها على جوازها ، وقبل أن أعقد المقارنة لا بد من توصيف كل واحدة منها ، لمحل النزاع ومنعا للبس والغموض والإشكال.

     وأما محدثة المولد النبوي فتعني أن يجتمع بعض الناس ليلة مولده صلى الله عليه وسلم ـ أي ليلة الثاني عشر أو ما يقاربها من شهر ربيع الأول ، من غير اعتقاد بوجوب أو استحباب التخصيص ويقرؤوا شيئا من سيرته، ويحثوا على اتباعه ومحبته ، وينشدوا المدائح اللائقة بمكانته، بحيث لا يصل المدح إلى المنهي عنه شرعا، ويظهروا المنة العظمى على المسلمين ببعثته ورسالته[2] صلى الله عليه وسلم.

     وأما محدثة صلاة القيام فتعني أن يتم تخصيص العشر الأواخر من رمضان بأداء صلاة القيام آخر الليل ، سواء أتم أداء صلاة التراويح كاملة أو تم تقسيمها إلى قسمين ، بحيث يحدد الأئمة أوقاتها ، ويعلنونه للمصلين ، ويتنادى الناس لها ، وتزدحم بهم المساجد وترتفع فيها مكبرات الصوت بالقراءة ، ويتتبعون فيها ـ غالبا ـ الأصوات الحسنة والقراءة الخاشعة.

     وأما محدثة عشاء الوالدين فصورتها أن الميت ـ ذكرا كان أو أنثى ـ إذا مضى على موته شهر أو شهران قام أحد أولاده ـ ذكرا أو أنثى كبيرا أو صغيرا ـ بصنع طعام ، يدعون إليه بعض الأقارب والجيران والفقراء وربما جعله بعضهم طعام إفطار في رمضان.

     فهذه ثلاث محدثات دينية ، يجمعها عامل مشترك ، وهو أنه لم يثبت بدليل صحيح خاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحدا من صحابته الكرام رضي الله عنهم أو أحدا من السلف الصالح رحمهم الله أداها بالكيفية المعهودة في زماننا ، وقد لخصت لك صورة كل واحد منها ، وإليك المقارنة:

عشاء الوالدين صلاة القيام المولد النبوي المحدثة

                   الموضوع

لم يفعلها صلى الله عليه وسلم

بهذه الكيفية

فعلها رسول الله؟

لم يفعلها السلف الصالح

بهذه الكيفية

فعلها السلف؟

قام مقتضاه بموت الصحابي الأب

قام مقتضاها بمرور العشر الأواخر من رمضان قال المانعون :”قام مقتضاها بمرور شهر ربيع كل سنة”

وقال المجيزون :” لا يعد مرور شهر ربيع قياما لمقتضاه ، فالترك لا يفيد التحريم”

قام مقتضاها ؟

لا يوجد ما يمنعه كالإعسار المانع موجود في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه زال بعد موته قال المانعون :”لا يوجد ما يمنعه” انتفت موانعها؟

 

                       المحدثة

الموضوع

المولد النبوي صلاة القيام عشاء الوالدين

دليلها الخاص ؟

 

سئل صلى لله عليه وسلم عن صوم يوم الإثنين ، فقال :” ذاك يوم ولدت فيه ويوم بعثت ـ أو أنزل علي فيه[3] قالت عائشة : “كان صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها[4] أحاديث : الصدقة عن الميت[5]  ،وبر الوالدين بعد موتهما[6]

دليها العام؟

 

ليس لها دليل خاص ينص عليها بهذه الكيفية المعهودة في زماننا

 

وقتها ؟

 

الثاني عشر من ربيع الأول غالبا العشر الأواخر من رمضان بعد الموت بشهر أو شهرين أو في رمضان

مشابهتها للمشروع؟

 

المولد هو اجتماع ، وهو مستحب على الطاعات[7] صلاة القيام صلاة تغيرت هيتها المعهودة عشاء الوالدين ذبح للتقرب لم يفعله السلف

       إنك إذا تأملت ـ أخي الكريم ـ المقارنة السابقة ـ بعين الإنصاف ـ لن تقف كثيرا لتكتشف أن محدثتي صلاة القيام وعشاء الوالدين ـ اللتين أفتى بجوازها بعض العلماء المضيفين لمعنى البدعة ـ تتعلقان بالصلاة والذبح ، وكلاهما عبادتان توقيفيتان ، ولا يجوز الإجتهاد فيها بأي حال من الأحوال ـ حسب منهجهم ـ بل يجب الإقتصار على ما فعله السلف الصالح ، فإن الله عز وجل قال عن الصلاة والذبح :” قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ” (الأنعام :123)، وقال صلى الله عليه وسلم عن الصلاة :” صلوا كما رأيتموني أصلي[8]“.

      أما إجتماع ليلة المولد النبوي فهو اجتماع لتدارس السيرة النبوية والحث على اتباع صاحبها صلى الله عليه وسلم وإنشاد المدائح بمقامه الرفيع ، والإكثار من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم وغرس محبته في قلوب أمته ، وإبراز المنة العظمى ببعثته ورسالته صلى الله عليه وسلم والأصل في الإجتماعات الإباحة إذا كان محتوها مشروعا .

      وقد إستدل بعض العلماء ـ كابن تيمية رحمه الله ـ بجواز الإجتماع على الطاعات ـ ما لم تتخذ عادة راتبة ـ بفعل الصحابة رضي الله عنهم فقال :” كان أصحابه صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا واحدا منهم أن يقرأ ، والباقي يستمعون[9] ، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لأبي موسى رضي الله عنه :ذكرنا ربنا ، فيقرأ وهم يستمعون رضي الله عنهم، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أهل الصفة، ومنهم واحد يقرأ، فجلس معهم، وقد روي في الملائكة السيارين الذين يتبعون مجالس الذكر الحديث المعروف[10] ، فلو أن قوما اجتمعوا بعض الليالي على صلاة تطوع من غير أن يتخذوا ذلك عادة راتبة تشبه السنة الراتبة لم يكره، لكن اتخاذه عادة دائرة بدوران الأوقات مكروه، لما فيه من تغيير الشريعة وتشبيه غير المشروع بالمشروع، ولوساغ ذلك لساغ أن يعمل صلاة أخرى وقت الضحى أو بين الظهر والعصر ، أو تراويح في شعبان ، أو أذان في العيدين ، أو حج إلى الصخرة ببيت المقدس ، وهذا تغيير لدين الله وتبديل له ، وهكذا القول في ليلة المولد وغيرها[11]

     إن المنصف لا يستطيع أن يفرق بين المحادثات السابقة، فكلها مما لم ينقل لنا أن السلف الصالح فعلوها بالكيفيات المعهودة في زماننا ، وقد قام مقتاضاها ، وانتفت موانعها، فلا يبقى أي معنى لتركها إلا حرمتها ـ على رأي المضيقيين لمعنى البدعة ـ ، فإما أن تباح كلها ـ وهذا رأي[12] ـ ، وإما أن تحرم كلها.

     أما أن يعمد بعض العلماء المضيقين لمعنى البدعة فيحكم على صلاة القيام وعشاء الوالدين بالمشروعية ، ويحكم في الوقت ذاته بأن المولد النبوي بدعة من البدع العظيمة فهذا من التفريق بين المتماثلات بغير دليل.

     ومن المفارقات بين محدثتي المولد وصلاة القيام أن الذي يفوته حضور مجلس المولد النبوي لا يقال عنه: إنه ترك سنة، لأنه قد استقر عند المحتفلين بالمولد ـ أو كثر منهم ـ أن مجرد الإحتفال بالمولد النبوي عادة ـ وليس عبادة ، أما الذي يترك صلاة القيام في العشر الأواخر من رمضان فإن كثيرا من الناس يعتقدون أنه ترك سنة مؤكدة، وفاته الإجتهاد فيها ، بل إن الذين يقسمون صلاة التراويح في العشر الأواخر إلى إلى قسمين يعتقدون أنهم يطبقون سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الإجتهاد فيها ، وفي عدم الزيادة على إحدى عشرة ركعة.

     ولو أردت التفريق في الحكم بين تلك المحدثات الثلاث لكان الأولى بالجواز عندي الإحتفال بالمولد النبوي ، لأنه درس سيرة نبوية واجتماع على الخير، فيجوز فعله بأي كيفية مشروعة في الجملة ، أما صلاة القيام وعشاء الوالدين فهي محدثات دينية تتعلق بالصلاة والذبح ، وكلاهما يحتاج إلى التوقيف الصريح ـ حسب قاعدة المضيقين لمعنى البدعة ـ خصوصا أنه قد استقرعند فاعليهما ـ أي صلاة القيام وعشاء الوالدين ـ أنهما عبادتان مشروعتان[13]


[1]  ـ من كتاب مفهوم البدعة وأثرها في اضطراب الفتاوى المعاصرة دراسة تأصيلية تطبيقية للدكتور عبد الإله بن حسين العرفج طبعة دار الفتح الصفحات: من 375 إلى 380 ـ هذه الإحالة من طرف المختار لنشر الموضوع، وليست من أصل الكتاب ـ .

[2] ـ ما يشاع من الزيادة على هذا من نحو استغاثات به صلى الله عليه وسلم، ترفعه إلى مقام الخالق، أو ارتكاب محرمات كاختلاط النساء بالرجال والرقص وشرب الخمر،  فلا تدخل ـ إن صحت، ولا أظنها تصح ـ في الصورة التي سأتحدث عنها.

[3]  ـ رواه مسلم وأحمد والحاكم.

[4]  ـ رواه مسلم وأحمد والترمذي وابن ماجة

[5]  ـ سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أمي افتلتت نفسها ، وأظنها لو تكلمت تصدقت فهل لها أجر إن تصدقت عنها ؟ فقال نعم ،رواه البخاري ومسلم وأحمد والنسائي.

[6]  ـ سئل صلى الله عليه وسلم هل بقي علي من بر أبوي شيء ، أبرهما به وبعد وفاتها قال صلى الله عليه وسلم نعم الصلاة عليهما ، والإستغفار لهما ، وإنقاذ عهدهما، وإكرام صديقهما ، وصلى الرحم إلا بهما رواه أحمد وأبو داود والحاكم.

[7]  ـ سئل ابن تيمية عن صلاة ليلة النصف من شعبان جماعة ، فقال : ” إذ صل الإنسان ليلة النصف وحده ، أو في جماعة خاصة ، كما كان يفعل طوائف من السلف ، فهو أحسن …. ، وأما الصلاة فيها جماعة فهذا مبني على قاعدة عامة في الإجتماع على الطاعات والعبادات ، فإنه نوعان : أحدها سنة راتبة، إما واجب أو مستحب،…، والثاني ما ليس بسنة راتبة، مثل الإجتماع لصلاة مثل قيام الليل أو على قراءة القرآن أو ذكر الله أودعاء، فهذا لا بأس به إذا لم يتخذ عادة راتبة…، فلو أن قوما اجتمعوا بعض الليالي على صلاة تطوع من غير أن يتخذوا ذلك عادة راتبة تشبه السنة الراتبة لم يكره ، اتخاذه عادة بدوران الأوقات مكروه لما فيهمن تغير الشريعة وتشبيه غير المشروع بالمشروع،…، وهكذا القول في ليلة المولد وغيرها”، فتاوى ابن تيمية(23: 131: 133)، والذي أفهمه من كلام ابن تيمة جواز الإجتماع ليلة المولدد النبوي للصلاة والذكر والدعاء ومدارسة السيرة ، بشرط ألا يتخذ عادة راتبة ، تدور بدوران السنين .

[8]  ـ رواه البخاري وأحمد.

[9]  ـ طريقة الصحابة رضي الله عنهم في طلب القراءة من أحدهم والإسماع له تختلف عن افتتاح المحافل الخطابية بقراءة القرآن الكريم ، فتنبه.

[10]  ـ حديث الملائكة السيارين صحيح ومسلم وأحمد والترميذي،و روايته بصيغة التضعيف لا معنى لها ، ونص الحديثـ عند البخاري ـ رسول الله صلى الله عليه وسلم :” إن لله ملائكة ، يطوفون في الطرق، يلتمسون أهل الذكر ، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم ، فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، فيسألهم ربهم ، وهو أعلم منهم: ما يقول عبادي؟  فتقول : يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك، فيقول : هل رأوني؟ فيقولون: لا والله، ما رأوك، فيقول: كيف لو رأوني؟فيقولون : يسألولنك الجنة ، فيقول : وهل رأوها ؟ فيقولون : لو أنهم  رأوها كانوا أشد لك تمجيدا وأكثر لك تسبيحا فيقول : فما يسألونني؟ فيقولون يسألونك الجنة فيقول: وهل رأوها فيقولون: لا والله يا رب ، ما رأوها فيقول : فكيف لو أنهم رأوها ؟ فيقولون : لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصا ، وأشد لها طلبا ، وأعظم فيها رغبة فيقول فمم يتعوذون فيقولون: من النار، فيقول: وهل رأوها؟ فيقولون: لا والله يا رب، ما روأها ؟ فيقول فكيف  لو رأوها كانوا أشد منها فرارا ، وأشد لها مخافة، فيقول : فأشهدكم أني قد غفرت لهم، فيقول ملك من الملائكة : فيهم فلان، ليس منهم ، إنما جاء، فيقول الله عز وجل : هم الجلساء ، لا يشقى بهم جليسهم”.

[11]  ـ فتاوى ابن تيمية (23: 133)،وكلام ابن تيمية ينقصه فعل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من تخصيص يوم الخميس كل أسبوع للوعظ والقصص ، وقد تقدم أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب قال: “نخلع جميع إلا بدعة لها أصل في الشره ، كجمع عمر التراويح جماعة ، وكجمع المصحف ، وجمع ابن مسعود أصحابه على القصص كل خميس، ونحو ذلك ، فهذا حسن”،أنظر الدرر السنية (1.3.5)، فالوعظ بهذه الصورة عبادة مخترعة ، تدور بدوران الأيام، ومع ذلك فليس بها كبير بأس، فالعبرة في التحليل والتحريم ترجع إلى النية والقصد ، وحسبك أن تطلع على مساجد المسلمين في شهر رمضان لترى دروس الوعظ يوميا أو بين ترويحات صلاة القيام ، مما يستغرب تركه.

[12]  ـ مع ملاحظة بعض التقييدات التي ذكرتها في محدثة عشاء الوالدين.

[13]  ـ أرجو أن لا يفهم من كلامي تحريم صلاة القيام وعشاء الوالدين ، فقد ذكرت رأيي فيهما عند الكلام عليها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى