الخطب

خطورة المجاهرة بالمعاصي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 *( خطبة الجمعة في موضوع  )*:

[خطورة المجاهرة بالمعاصي]

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله، من أوَى إلى لُطفه آواه ، و من احتمى بحماه بستره غطاه و من شر الاشرار كفاه،  و من شكر نعماءه من أسقامه داوَاه و عافاه ،

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له حرَّم العدوان والبغيَ والأذى، وأمرَ بالسِّتر والزكاءِ والحيا،

ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله  من اتبعَه كان على الخير والهُدى، ومن عصاه كان في الغوايةِ والرَّدَى، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه معادِن التقوى وينبوع الصَّبَا،، وعلى من حافظ على دينه        و شريعته و استمسك بهديه و سنته من التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين صلاةً تبقَى، وسلامًا يَترَى.نسأل الله تعالى أن يجعلنا و إياكم ممن يطيعه      و يطيع رسوله، حتى ينال من خير الدارين أمله و سؤله، فإنما نحن بالله و له

أما بعد فيا عباد الله : يقول الله تعالى ﴿ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾] الزمر: 61[. بالتقوى تحلُّ الخيرات، وتنزلُ البركات، وتندفعُ الشرور والآفات، فالمؤمن الحق يصون نفسه عن كل فعلٍ تعود عليه فيه سُبَّة، ويعلَقُ به منه عارٌ و معرة ، وتلحَقُه به دنيَّةٌ ومعاذَة، المؤمن الحق ينزه  نفسه عن كل مسخطة فرُبَّ مسخطةٍ جلَبَت فضيحةً لا تُطفَأُ نارُها، ولا يخمُدُ أُوارُها.  لكن من كرم الله و حلمه أن العبد يسهُو ويهفو، والله يمحو ويعفو، والعبدُ يُذنِبُ ويفجُر، والله يغفِرُ ويستُر، والله حليمٌ حيِيٌّ ستِّير:

وهو الحيِّيُّ فليس يفضَحُ عبدَه++++ عند التجاهُر منه من عصيانِ

لكنــــه يُلقي عليـــــــــه سِترَه++++ فهو الستِّيرُ وصاحبُ الغُفرانِ

وكيف يُتصوَّرُالأمرُ ياعباد الله لو كانت الخلَوات بين الخلقِ بادية، و الغدرات على الناسِ غير خافية؛ فسبحان من أظهر الجميل، و ستر القبيح، ولم يؤاخذ بالجريرة، و لم يهتك الستر، فلله الحمدُ على سِتره الجميل وبرِّه الجزيل.

أيها المسلمون:من ابتلي منكم بغلبة الهوى وضعُف عن المُجاهدة، ولم يدفع النفسَ عن الجهل و ما تسوله له بالمراودة، فليستتِر بسترِ الله تعالى، وإياه أن يُجاهِر بمعصيته، أو  يُعلِن بفُجوره، بل عليه أن يلزَم مع  ستر نفسه التوبةَ والإنابةَ، والندمَ على ما صنَع، والإقلاع عما فعل.أخرج مالكٌ مُرسلاً، والحاكمُ، والبيهقيُّ أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (من أصابَ شيئًا من هذه القاذورات فليستتِر بسترِ الله تعالى؛ فإنه من يُبدِ لنا صفحتَه نُقِم عليه كتابَ الله تعالى).وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: «كلُّ أُمتي مُعافًى إلا المُجاهِرين، وإن من المُجاهَرة أن يعملَ الرجلُ بالليل عملاً ثم يُصبِحُ وقد ستَرَه الله، فيقول: يا فلان! عملتُ البارحةَ كذا وكذا، وقد باتَ يستُره ربّـُه، ويُصبِحُ يكشِفُ سترَ الله عليه»؛ متفق عليه.

فيا عجبًا ممن قل حياؤه،و عظم بلاؤه، تجده يُفاخِرُ بفواحِشِه وجرائمِه وقبائحِه و عظائمه يقُصُّها على أقرانه، ويُزيِّنُها لأصحابه، نعوذُ بالله من الضلالة والجهالة والغواية. ومن الناسِ ـ و العياذ بالله من حاله ـ من تهفُو نفسُه إلى معرفةِ الخفايا والأسرار، وتتبُّع الحوادِث والأخبار، دأبه التجسس   متابعٌ بالنظر يبتغي التدقيق في التفاصيل، و مرخٍ بسمعه للأقاويل، فالحذَرَ الحذَرَ! فإن طالبَ الوديعةِ خائن، وخاطبَ السرِّ عدوّ، ومُتتبِّعَ الأخبار غادِر. كيف ونبيُّنا وسيدُنا محمد – صلى الله عليه وسلم – يقول: «إني لم أُومَر أن أنقُبَ عن قلوبِ الناس ولا أشُقَّ بطونَهم»؛ متفق عليه.

فيأيها المسلمون: اعلموا أن دينَكم دينُ السترِ والتزكيةِ والنصيحة، لا دينَ الهتكِ والفضحِ وإشاعةِ الرذيلة، فأظهِروا المحاسِن والممادِح، واستُروا المساوئَ والقبائِح، وأشهِروا الخيرَ والنصائح، وغطُّوا العيوبَ والفضائِح.

ومن علِمَ من  أخيه المسلمٍ قُصورًا أو فُجورًا فلا يُظهِر للناس زلَّته، ولا يُشهِر بين الخلق هفوتَه، ولا يكشِف سترَه، ولا يقصِد فضيحتَه؛ بل يُخفِي عيوبَه، ويستُر هِناتِه؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «لا يستُر عبدٌ عبدًا في الدنيا إلا سترَه الله يوم القيامة»؛ أخرجه مسلم.قال ابن حجر: “معنى قوله: «سترَ مُسلمًا» أي: رآه على قبيحٍ فلم يُظهِره للناس، وليس في هذا ما يقتضي تركَ الإنكار عليه فيما بينه وبينه“.

نعم أيها المسلمون إن من تتبَع عورات المُسلمين والمُسلمات، والتمسَ معايِبَهم ومساوِئَهم وأظهرَها وأشهرَها بقصدِ فضحِهم، والإساءَة إليهم، وتشويه سُمعتهم، والحطِّ من قدرهم؛ فقد ارتكَبَ فعلاً مُحرَّمًا، وأمرًا مُجرَّمًا، لا يقدُم عليه إلا خسيسُ الطبع، ووضيعُ القدر، وساقطُ المنزلة.

فعن نافعٍ، عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: صعِد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المنبَرَ، فنادى بصوتٍ رفيعٍ فقال: «يا معشرَ من أسلمَ بلسانه ولم يُفضِ الإيمانُ إلى قلبه! لا تُؤذُوا المُسلمين، ولا تُعيِّروهم، ولا تتَّبِعوا عوراتِهم؛ فإن من تتبَّع عورةَ أخيه المُسلم تتبَّع الله عورتَه، ومن يتَّبِع الله عورتَه يفضَحه ولو في جوفِ رحلِه»؛ أخرجه الترمذي.

لا تلتمِس من مساوِي الناسِ ما ستَروا     فيكشِفُ اللهُ سترًا من مساوِيكا

واذكُـــر محاسنَ ما فيهم إذا ذُكِــــروا     ولا تعِب أحـــدًا منهم بما فيكَا

ولما دفعَ هزَّال بن يزيد الأسلميُّ – رضي الله عنه – إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – ماعزًا ليعترِف بالزنا، قال له النبي – صلى الله عليه وسلم -: «واللهِ يا هزَّال لو كنتَ سترتَه بثوبِك كان خيرًا مما صنعتَ به»؛ أخرجه مالكٌ، وأحمد، وأبو داود، والحاكم.

وكم يسوؤُنا ما يقعَ فيه بعضُ الأبرار، وينحو نحوه بعضُ الأشرار من إذاعة الأسرار، وإشاعة الخفايا والأخبار، وتتبُّع الزلاَّت والهفَوات، ونشر المعايِب والسَّقَطات، والتعيير والتشهيرعبر المجالسِ والمجامِع والمُنتديات والجوّالات والمواقع والصفحات والقنوات ووسائل الاتصالات، حتى صارَت الفضائحُ والقبائحُ تُزفُّ للناسِ زفًّا؛ فهذه فضيحةُ فلان بن فلان، وهذه هفوةُ فلان بن فلان. ولكن حال هؤلاء الملطخة قلوبهم بالأضغان، كَمَنْ قالَ عنْ نَفْسِه: عُيُوبي لا أرَاها، أمَّا عُيوبُ غَيرِي فأرْكُضُ ورَاءها

أيُّ حالٍ هذه؟! حُرمةُ المُسلِم تُنتَهك، وسرُّه يُذاع، وذنبُه يُشاع، وعِرضُه يُباع، مرتعٌ وخيم، وعملٌ ذميم، عمَّ وطمَّ، ولم يقتصِد أذاه على المفضوحِ وحده؛ بل ربما تعدَّاه إلى أسرته، وعشيرته، وقبيلته، وبلده ومُجتمعه، وربما أُخِذ البريءُ بجريرةِ المُجرِم، والنقيُّ بخطيئةِ العاصِي.بل صارت تلك الأفعال سببًا للطعن في أهل الإسلام، وتشويه سُمعتهم، والنَّيل من عقيدتهم ودينهم وبلادهم، وتصغيرها وتحقيرها بين الأمم.

ألا فاتقوا الله – أيها المسلمون -، وأظهِروا محاسِنَكم، أظهِروا قِيَمكم، أظهِروا شِيَمكم، وانشُروا برَّكم وخيرَكم وإحسانكم، وكفُّوا عن هذه المسلِك المُردية، والأفعال الشائِنة.

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والبيِّنات والعِظات والحِكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

سبحان ربك رب العزة  عما يصفون،…

الخطبة الثانية

* الحمد لله على نواله و إفضاله، والصلاة  والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، و على آله ، وعلى جميع من تعلق بأذياله ، و نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد :

 أيها المومنون  اتقوا الله وراقِبوه، وأطيعُوه ولا تعصُوه، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِيْنَ ﴾ (التوبة: 119) و حتى لا يفهم السامعون التوجيه على غير محمله نزيد الامر بيانا فنقول : من كان ضررُه مُتعدِّيًا، وفسادُه باديًا، وأذاه ظاهرًا كمن كان داعيةً إلى بدعةٍ أو فتنةٍ، أو مُروِّجًا لرذيلةٍ، أو مُتعاطيًا للسحر والشعوذة والكِهانة، أو كان مُروّجًا للمُخدِّرات والمُسكِرات والمُنبِّهات والمُفتِّرات، أو كان ساعيًا لشقِّ عصا المُسلمين وتفريقِ جماعتهم وزعزعة استقرارهم وأمنهم، أو كان أمينًا على مصالحِ المُسلمين فخانَهم، أو أمينًا على صدقاتٍ أو أوقاف أو أيتامٍ فخانَ الأمانةَ فلا يحِلُّ السَّترُ عليه، ووجبَ رفعُ أمره إلى أولي الأمر  لقطعِ فساده وحماية المُسلمين من إفساده، وليس ذلك من الغِيبة المُحرَّمة؛ بل هو من النصيحة الواجبة.سُئِل الإمامُ أحمد – رحمه الله تعالى -: إذا عُلِم من الرجل الفُجور أيُخبَرُ به الناس؟ قال: “لا؛ بل يُستَر عليه، إلا أن يكون داعيةً” يعني: لفُجُوره.

أيها المسلمون:إن ثمرةَ الاستِماع الاتِّباع، فكونوا من الذين يستمِعون القولَ فيتَّبِعون أحسنَه واستعينوا على ذلك كله بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق    و الخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم،      و على آله حق قدره و مقداره العظيم.صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، و تقضي لنا بها جميع الحاجات وتطهرنا بها من جميع السيئات، و ترفعنا بها أعلى الدرجات و تبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة و بعد الممات، آمين. و ارض اللهم عن أصحاب رسولك وخلفاء نبيك القائمين معه وبعده على الوجه الذي أمربه و ارتضاه و استنه خصوصا الخلفاء الأربعة، و العشرة المبشرين بالجنة  والأنصار منهم و المهاجرين، و عن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، اللهم انفعنا يا مولانا بمحبتهم،  و انظمنا يا مولانا في سلك ودادهم، و لاتخالف بنا عن نهجهم القويم و سنتهم،(ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولاتجعل في قلوبنا غلا  للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم .)

(سبحان ربك رب العزة عما يصفون، و سلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين).

الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى فضل الله و رحمته :

” ذ. سعيد منقار بنيس”

الخطيب بمسجد ” الرضوان ” لافيليت /عين البرجة/ الدار البيضاء

أستاذ العلوم الشرعية بالمدرسة القرآنية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني

مفتش منسق جهوي لمادة التربية الإسلامية للتعليم ثانوي متقاعد 

  البريدالالكتروني mankarbennissaid@gmail.com 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى