الخطبمقالات

حقيقة الإيمان بالرسل و الانبياء 

حقيقة الإيمان بالرسل و الانبياء 

الخطبة الأولى:

*الحمد لله القائل:﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون﴾[البقرة: 136]

 *و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد المنزل عليه:  ﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ، وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ، وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [البقرة: 253]

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،القائل سبحانه:﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [آل عمران: 179]

 *ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله  ورسوله صلى الله عليه وسلم من نبي أمين ناصح حليم، وعلى آله وصحابته  والتابعين، وعلى من حافظ على دينه      و شريعته و استمسك بهديه إلى يوم الدين .

* أما بعد ،عباد الله : إن الإيمانَ بالأنبياء و الرسل و تصديقَ بعثتهم من عندِ الله و بما جاؤوا به ركنٌ عظيم من أركان الإيمان، ينبغي إيلاؤه ما يليق به لأهميته البالغة حتى تسْلَم عقيدة المسلم من الفساد والتشويش خصوصا و نحن في زمان كثر فيه المتكلمون بغير علم، و اختلط فيه الحق بكثير من الباطل و الزيف، ألا فاعلموا يا عباد الله أن الله أخبرنا عن رسله و وظائفهم و الغايةِ من إرسالهم فقال سبحانه:(رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِيلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌۢ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) النساء165 . فالإيمان بالرسل جميعهم دون تفريق، واجبٌ، وجحودُ رسالةِ أيِّ واحدٍ منهم هو كفرٌ بجميعهم قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا، وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمُ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمُ أُجُورَهُمْ، وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء: 150 – 152]. فعقيدة المسلمين هي التصديق بجميع أنبياء الله و رُسُله ما علمنا منهم و ما لم نعلم دون تفريق بينهم، كيف لا وقد قال تعالى ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا، وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ، وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا، رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾[النساء: 163 – 165]. فمن كفر برسالة واحد منهم فقد كفر بالجميع قال تعالى:(كذبت قوم نوح المرسلين) (الشعراء/105) فجعلهم الله مكذبين لجميع الرسل مع أنه لم يكن رسول غيرُ نوحٍ حين كذبوه.

فالإيمان بالرسل ـ أيها المومنون ـ يتضمن أربعة أمور، الأول : التصديق الجازم بأن الله تعالى بعث في كلِّ أمةٍ رسولاً منهم يدعوهم إلى عبادة الله وحده والكُفرِ بما يُعبد مِنْ دونه قال تعالى:﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ [فاطر: 24].و قال سبحانه:﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: 36]وأنهم جميعا عمَّهُمُ الاصطفاء و الاجتباء، فكلهم عليهم أخيارٌ صادقون مُصَدَّقون بارّون راشدون أتقياء أمناء، وأنهم بلغوا جميع ما أرسلهم الله به، لم يكتموا ولم يغيروا، ولم يزيدوا في رسالة الله من عند أنفسهم حرفا ولم ينقصوه (فهل على الرُّسُلِ إلا البلاغ المبين)( النحل : 35).

+ وأن دعوتهم اتفقت من أوَّلِهم إلى آخِرِهم على أصل العبادة وأساسها، وهو التوحيد، قال تعالى 🙁 وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا يُوحَى إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء/25) و في الحديث:[ خير ما قلته أنا و النبيئون من قبلي لا إله إلا الله].+وأما الفروضُ المتعبَّد بها، من فروع التشريع كالحلال و الحرام و الأحوال الشخصية فقد خص كل قوم بما يناسبهم قال تعالى:(لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً) (المائدة/48)فيُفرض على قوم من الصلاة والصوم ونحوها ما لا يُفرض على قوم آخرين،ويُحرم على قوم ما يحل لآخرين امتحانا من الله(ليبلوكمُ أيكمُ أحسنُ عملا) (الملك/2)،والدليل على ذلك من السنة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ” الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلاتٍ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ “(صحيح البخاري ومسلم) أي أن الأنبياء متحدون في الأصل وهو التوحيد الذي بعث الله به كل رسول أرسله،وضمنَه كلُّ كتاب أنزله،أما شرائعهم فمختلفة في الأوامر والنواهي والحلال والحرام  .الأمرالثاني : الإيمانُ بمن عَلِمْنا باسمه منهم مثل سيدنا محمد وإبراهيم وموسى وعيسى ونوح عليهم الصلاة والسلام و غيرهم ممن ذكرهم الله في كتابه، ومَن ذُكِر منهم إجمالا ولم نعلم اسمَه وجب علينا الإيمان بهم إجمالا قال تعالى:(آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ)(البقرة/285) ونؤمن بأن خاتمهم هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فلا نبيَّ بعده قال تعالى:(مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتِمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)(الأحزاب/40) . وأن الله فضله واختصه عن غيره من الأنبياء بخصائص عظيمة منها :

1-ـ أن الله بعثه إلى جميع الثقلين: الإنسِ والجنِّ، وكان النبيَّ قبله يُبعث في قومِه خاصة. ـ2 أن الله نصره على أعدائه بالرُّعْبِ مسيرة شهر.وأن الأرض جُعلت له مسجداً وطهوراً4-.  وأحِلَّت له الغنائم ولم تحِلَّ لأحد قبله. 5- و أعطاه الشفاعة العظمى. وغيرها كثير من خصائصه عليه الصلاة والسلام. الأمر الثالث : التصديق بما صح عنهم من أخبارهم فلا نكذب بشيء .الأمر الرابع : العمل بشريعة من أرسل إلينا منهم وهو خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم المرسل إلى جميع الناس . قال الله تعالى 🙁 فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) النساء/65 .

نفعني الله و إياكم بالذكر الحكيم و كلام سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم سبحان ربك رب العزة  عما يصفون،… 

الخطبة الثانية

* الحمد لله على نواله و إفضاله، والصلاة  والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، و على آله ، وعلى جميع من تعلق بأذياله ، و نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد :

 أيها المومنون: لنعلم أن للإيمان بالرسل ثمرات جليلة منها :العلم برحمة الله تعالى وعنايته بعباده حيث أرسل إليهم رسلا ليهدوهم إلى صراط الله تعالى، ويبينوا لهم كيفية العبادة و الغاية من وجودهم (و ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) و من هنا تبين ضلالُ عقولِ من يعيشون في الدنيا دون عبادة الله، أو اعتمدوا على عقولهم في الاستقلال بمعرفة ذلك دون اعتماد على وحي، فمن رحمته بعباده أنه سبحانه لا يعذب أحدًا إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسول؛ قال تعالى ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء: 15] و أن هؤلاء الرسل جاؤوا ليخلصونا من اتباع الأهواء و الشهوات المضلة قال تعالى: (لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا ۖ كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ) (المائدة70) 2-فينبغي شكره تعالى على هذه النعمة الكبرى و المنة العظمى قال سبحانه:( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمُ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)[ آل عمران: 164.] .3-وكذلك يجب علينا محبة الرسل عليهم الصلاة والسلام وتعظيمهم ِ، والثناء عليهم بما يليق بهم لأنهم رسل الله تعالى، ولأنهم قاموا بعبادته وتبليغ رسالته، والنصح لعباده . وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم عدد الأنبياء وعدد الرسل جملة؛ فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، كم المرسلون؟ قال: ((ثلاثمائة وبضعة عشر جمًّا غفيرًا))، وفي رواية: قال أبو ذر: قلت: يا رسول الله، كم وفاءُ عدد الأنبياء؟ قال: (مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا، الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جمًّا غفيرًا)  .

ولتصح عقيدتنا في حق الانبياء و الرسل يجب أن نعرف أن من  صفاتهم الواجبة في حقهم: الصدقُ، والأمانةُ، والفطنةُ، والتبليغ في حق الرسل خاصة، على مذهب الجمهور بأن الأنبياء غير مأمورين بالتبليغ. والصفات المستحيلة في حقهم أضداد الواجبة وهي: الكذب، والخيانة، والبلادة، والكتمان. والصفات الجائزة في حقهم هي كل صفة يمكن اتصافهم بها باعتبارهم بشرًا يفعلون ما يفعل سائر البشر كالنكاح وأكل الطعام و المشي في الاسواق، ويصيبهم ما يصيب البشر من الأعراض كالأمراض المعتادة، وغير المُنَفِّرَة، وهذا التقسيم ذكره علماء العقائد، وهو تقسيم صحيح لا يعارض دليلاً نقليًّا ولا عقليًّا. يقول ابن عاشر في المرشد المعين:

يَجِبُ لِلرُّسْلِ الْكِرَامِ الصِّدْقُ             أَمَانَــــــــــةٌ تَبْلِيـــغُهُمْ يَــحِقُّ

مُحَالُ الْكَــــــــذِبُ وَالْمَنْهِيُّ             كَـــــعَدَمِ التَّبْلِيــــــغِ يَـــا ذَكِيُّ

يَجُوزُ فِي حَقِّهِمُ كُلُّ عَرَضْ             لَيْسَ مُؤَدِّيًا لِنَقْصٍ كَالْمَـرَضْ

عباد الله استعينوا على ذلك كله بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق  و الخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره  و مقداره العظيم. ،(ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولاتجعل في قلوبنا غلا  للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم .)(سبحان ربك رب العزة عما يصفون، و سلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين).

الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى فضل الله و رحمته : ” ذ. سعيد منقار بنيس”

الخطيب بمسجد ” الرضوان ” لافيليت /عين البرجة/ الدار البيضاء

أستاذ العلوم الشرعية بالمدرسة القرآنية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني

مفتش منسق جهوي لمادة التربية الإسلامية للتعليم ثانوي متقاعد

البريدالالكتروني mankarbennissaid@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى