الخطب

إن للإسلام هديا في ترويح القلوب

*( خطبة الجمعة في موضوع  )*:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[ إن للإسلام هديا في ترويح القلوب ]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَضْحَكَ وَأَبْكَى، وَأَمَاتَ وَأَحْـيَا، وَجَعَلَ الابتِسَامَةَ عُنْوَانَ المَحَبَّةِ وَالقُرْبَى

* و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا

* و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أثنى على نفسه بنفسه بما هو أهله فلا أحد يحصي الثناء عليه، و حمد نفسه بنفسه فلا أحد يطيق حمده حق حمده إلا هو فالحمد حقيقة منه و إليه .

*ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله               و مصطفاه من خلقه و خليله. دَعَا المُؤْمِنِينَ إِلَى حُسْنِ الخُلُقِ فِيمَا بَيْـنَهُمْ، وَالتَّبَسُّمِ عِنْدَ مُلاقَاتِهِمْ،فصلى الله عليه و سلم من نبي أمين، ناصح حليم  وعلى آله وصحابته من مهاجرين  و أنصار، وعلى من حافظ على دينه و شريعته واستمسك بهديه و سنته إلى يوم الدين و القرار.

* أما بعد، من يطع الله و رسوله فقد رشد و اهتدى، و سلك  منهاجا قويما و سبيلا رشدا ومن يعص الله و رسوله فقد غوى و اعتدى، و حاد عن الطريق المشروع و لا يضر إلا نفسه و لا يضر أحدا، نسأل الله تعالى أن يجعلنا و إياكم ممن يطيعه و يطيع رسوله، حتى ينال من خير الدارين أمله و سؤله، فإنما نحن بالله و له،

* عباد الله : اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعلَمُوا أَنَّ الإِسْلامَ يَقِفُ مَوقِفَ التَّوَسُّطِ وَالاعتِدَالِ فِي مُعَالَجَةِ جَمِيعِ القَضَايَا،  وَلا سِيَّمَا تِلْكَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالمَوَاقِفِ النَّفْسِيَّةِ، وَتَرْتَبِطُ بِالمَشَاعِرِ وَالأَحَاسِيسِ الإِنْسَانِيَّةِ، فَلا يَتْرُكُ المجال للأَهْوَاءَ لِكَيْ تسيطر و تتغلب، وَلا يُطْلِقُ العِنَانَ لِلشَّهَوَاتِ لِكَي تجمح بالقياد وتَتَمَكَّنَ، بَلْ وَضَعَ لَهَا ضَوَابِطَ وَحَّدَ لَهَا حُدُودًا لا تَخْرُجُ عَنْهَا وَلا تَتَجَاوَزُهَا، وَإِلاَّ انقَلَبَ الحَالُ على صاحبه وَصَارَ هَلاكًا وَدَمَارًا ،

ومِنْ هَذِهِ القَضَايَا التي عالجها شرعنا الحنيف الضَّحِكُ وكَيْـفِيَّته           و الفُكَاهَةُ وأُسْـلُوبُها،وَمَا يُمْـكِنُ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ الإِنْسَانُ مِنَ المُزَاحِ و البسط، فقد وَضَعَ الرَّسُولُ صلى الله عليه و سلم الحَدَّ الفَاصِلَ لِذَلِكَ وَوَضَّحَ الطَّرِيقَةَ المُثْـلَى ((فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعملَ بهن أو يعلمَ من يعملُ بهن ؟ فقال أبو هريرة  فقلت : أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فعدَّ خمسا قال :اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحب للناس ماتحب لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب )رواه احمد و الترمذي، وَفِي نفس الوقت، نجد شرعنا يرفض التَّزَمُّـتَ المَقِيتَ، وَالوَقَارَ المُصْطَنَعَ وَالعُبُوسَ المُنَفِّرَ؛ إِذْ يَجْعَلُ صَاحِبَهُ بَيْنَ النَّاسِ مَمْـقُوتًا، قَالَ صلى الله  عليه و سلم : (( رَوِّحُوا القُلُوبَ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ، فَإِنَّ القُلُوبَ إِذَ كَلَّتْ عَمِيَتْ))،

وعن حنظلة بن الربيع الأسيدي – رضي الله عنه – وكان من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : لقيني أبو بكر ، فقال : كيف أنت يا حنظلة ؟ قال:  قلت : نافق حنظلة، قال : سبحان الله ! ما تقول ؟ قال : قلت : نكون عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، يذكرنا بالنار والجنة [ حتى ] كأنَّا رأيَ عين ، فإذا خرجنا من عند رسول الله  صلى الله عليه وسلم  ، عافسنا الأزواج والأولاد ، والضيعات  فنسينا كثيرا ، قال أبو بكر – رضي الله عنه – : فوالله إنا لنلقي مثل هذا   فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله  صلى الله عليه وسلم  ، قلت : نافق حنظلة يا رسول الله. فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: « وما ذاك؟» قلت : يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين ، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات ، نسينا كثيرا. فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : « والذي نفسي بيده ، لو تدومون على ما تكونون عندي ، وفي الذكر ، لصافحتكم الملائكة على فرشكم ، وفي طرقكم ، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة – ثلاث مرات »

وَقَالَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ – كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ -: ((إِنَّ القُلُوبَ تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ الأَبْدَانُ فَابتَغُوا لَهَا طَرَائِفَ الحِكْمَةِ))،

أَيُّهَا المُسْـلِمُونَ:إِنَّ التَّبَسُّمَ حَقٌّ مَشْرُوعٌ، وَالعُبُوسَ أَمْرٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَلَنَا فِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم القُدْوَةُ الحَسَنَةُ وَالمَثَلُ الأَعْـلَى فِي حَيَاتِنَا وَمَعَاشِنَا، فِي سُلُوكِنَا وَتَصَرُّفَاتِنَا، قَالَ تَعَالَى:[لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي  رَسُولِ  اللَّهِ  أُسْوَةٌ  حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ  وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ  كَثِيرًا [(الأحزاب 21)، فَمَعَ كَثْرَةِ تَعَبُّدِهِ صلى الله عليه و سلم وَطُولِ تَبَتُّـلِهِ وَشِدَّةِ خَشْيَتِهِ للهِ تَعَالَى، وَانهِمَارِ دُمُوعِهِ فِي سَحَرِ اللَّيَالِي، لَمْ تَكُنْ مَجَالِسُهُ تَخْـلُو مِنْ طُرفَةٍ مَرِحَةٍ، أَوِ ابتِسَامَةٍ رَزِينَةٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : ( قَالَوا يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا؟ قَالَ :نعم غير إِنِّي لا أَقُولُ إِلاَّ حَقًّا )، وَكَانَ مِنْ صِفَاتِهِ صلى الله عليه و سلم أَنَّهُ ذَوَّاقٌ لِلْحَدِيثِ الَّذِي يُلْقَى عَلَيْهِ، يَتَفَحَّصُ الكَلِمَاتِ الَّتِي يَسْمَعُهَا، وَكَانَ يَتَفَاعَلُ مَعَهَا، وَيَظْهَرُ أَثَرُهَا عَلَى وَجْهِهِ الشَّرِيفِ، فَإِذَا كَانَ فِيهِ مَا يُدْخِلُ السُّرُورَ عَلَى النَّفْسِ وَيُدْخِلُ البَهْجَةَ عَلَى القَلْبِ ضَحِكَ، وَكَانَ جُلُّ ضَحِكِهِ صلى الله عليه و سلم تَبَسُّمًا، وَكَانَتِ السَّيِّـدَةُ عَائِشَةُ – رَضِيَ اللهُ عَنْهَا – تَفْرَحُ غَايَةَ الفَرَحِ وَتُسَرُّ غَايَةَ السُّرُورِ عِنْدَمَا تَرَاهُ كَذَلِكَ، وَكَانَتْ تَقُولُ لَهُ:       (أَضْحَكَ اللهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللهِ) .

عِبَادَ اللهِ :اعلَمُوا أَنَّ رَسُولَكُمُ الكَرِيمَ قَدْ أَبَاحَ لَكُمُ المَرَحَ الحَلالَ الَّذِي يَشْرَحُ النَّفْسَ وَيُرَوِّحُ عَنْهَا، وَلَنَا فِي سِيرَتِهِ أَمْـثِلَةٌ كَثِيرَةٌ تُبَيِّنُ لَنَا هَدَفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم وَتَعْـلِيمَهُ لِجَمِيعِ المُسلِمِينَ كَيْـفِيَّةَ مُلاقَاةِ المُسلِمِ لأَخِيهِ المُسلِمِ، انظُرُوا كَيْفَ قَابَلَ المَرأَةَ العَجُوزَ الَّتِي قَالَتْ لَهُ : ادْعُ اللهَ لِي أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْ أَهْـلِ الجَنَّةِ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم أَنْ يُذْهِبَ عَنْهَا وَحْـشَةَ السِّنِينَ، فَأَخَذَ يُخَفِّفُ رَوْعَهَا وَيَقُولُ لَهَا 🙁 إِنَّهُ لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ عَجُوزٌ ) فَلَّمَا رَأَى الخَوْفَ عَلَى وَجْهِهَا وَالحُزْنَ بَادِيًا عَلَى مُحَيَّاهَا، وَالدُّمُوعَ تَتَرَقْرَقُ فِي مَآقِيهَا قال :أخبروها أنها لا تدخلها و هي عجوز ، إن الله تعالى يقول : إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً (35)فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36)  عُرُبًا أَتْرَابًا (37) (الواقعة) فَدَخَلَتِ الفَرْحَةُ قَلْبَ المَرأَةِ وَعَادَتِ الابتِسَامَةُ إِلَى وَجْهِهَا وَاستَبْـشَرَتْ خَيْرًا، وَهَذَا عَوفُ بنُ مَالِكٍ عِنْدَمَا حَاوَلَ أَنْ يَدْخُلَ القُبَّةَ الَّتِي بُنِيَتْ لِلرَّسُولِ صلى الله عليه سلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَكَانَ بَابُهَا صَغِيرًا، فَلَمْ يُفْـلِحْ فِي الدُّخُولِ، وَاستَأْذَنَ الرَّسُولَ فِي الدُّخُولِ فَأَذِنَ لَهُ فَأَرَادَ أَنْ يُعَلِّقَ عَلَى ضِيقِ البَابِ، وَصُعُوبَةِ الدُّخُولِ فَقَالَ:  أَكُلِّي يَا رَسُولَ اللهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه سلم وَالابتِسَامَةُ تَمْلأُ شَفَتَيْهِ: ( كُلّـُكَ )، فَدَخَلَ عَوْفُ بنُ مَالِكٍ بَعْدَ أَنْ أَدْخَلَ الابتِسَامَةَ عَلَى قُلُوبِ الحَاضِرِينَ فِي مَوقِفِ الحَرْبِ العَصِيبِ الَّذِي تَتَحَجَّرُ فِيهِ المَشَاعِرُ وَتَتَوَتَّرُ فِيهِ الأَعْصَابُ، وَكَانَ صلى الله عليه سلم لا تُفَارِقُ الابتِسَامَةُ مُحَيَّاهُ، فَهُوَ القَائِلُ ( تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ ) ، وَمَعَ أَنَّهُ صلى الله عليه سلم كَانَ مُكْتَفِيًا بِالتَّبَسُّمِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ: لا تَضْحَكْ، لأَنَّهُ مِنَ الطَّبِيعِيِّ أَنْ يَضْحَكَ الإِنْسَانُ لأَمْرٍ مَا، وَلَكِنَّهُ يَنْهَانَا عَنِ الإِكْثَارِ مِنَ الضَّحِكِ عِنْدَمَا قَالَ : (( كَثْرَةُ الضَّحِكِ تُمِيتُ القَلْبَ))، فَكَثْرَةُ الضَّحِكِ هِيَ المُؤْذِيَةُ، وَهِيَ الَّتِي تُمِيتُ القَلْبَ، أَمَّا الضَّحِكُ المُعْـتَدِلُ فَيُعَدُّ فِطْرَةً إِنْسَانِيَّةً فَطَرَ اللهُ النَّاسَ عَلَيْهَا قَالَ عَزَّ شَأْنُهُ: ] وَأَنَّهُ هُوَ  أَضْحَكَ  وَأَبْكَىٰ  ﴿43﴾ [النجم، قَالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: أَيْ هُوَ الَّذِي خَلَقَ الفَرَحَ وَالحُزْنَ وَالسُّرُورَ وَالغَمَّ، فَأَضْحَكَ فِي الدُّنيَا مَنْ أَضْحَكَ وَأَبْـكَى فِي الآخِرَةِ مَنْ أَبْـكَى .

فَاتَّقُوا اللهَ – عِبَادَ اللهِ -، وَاجْعَلُوا الابتِسَامَةَ قَرِينَةَ تَعَامُلِكُمْ وَتَأَسَّوا فِي ذَلِكَ بِنَبِيِّكُمْ.هذا واعلَمُوا أَنَّ لِلضَّحِكِ ضَوَابِطَ وَلِلْفُكَاهَةِ حُدُودًا لا تَتَعَدَّاهَا، حَتَّى لا يَكُونَ الضَّحِكُ وَالفُكَاهَةُ أمرا مُخِلا بِالمُرُوءَةِ وَمُذْهِبًا لِلْوَقَارِ، فَلَيْسَ مِنْ هَدْيِ الإِسْلامِ ارتِفَاعُ صَوْتِ الضَّحِكِ وَكَثْرَةُ القَهْـقَهَةِ، وَلْنَتَذَكَّرْ أَنَّ رَسُولَنَا عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ كَانَ جُلُّ ضَحِكِهِ تَبَسُّمًا، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ المُزَاحُ حَقًّا، لا كَذِبَ فِيهِ، وَلا تَزْيِيفَ وَلا اختِلاقَ وَلا افتِرَاءَ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم : (وَيْـلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ بِالحَدِيثِ لِيُضْحِكَ بِهِ القَوْمَ فَيَكْذِبُ، وَيْـلٌ لَهُ، وَيْـلٌ لَهُ)، كَمَا يَجِبُ أَلاَّ يَكُونَ مُؤَدِّيًا إلِى مَفْسَدَةٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، أَوْ عُقُوقٍ بَيْنَ الأَبْـنَاءِ وَالآبَاءِ، أَوْ تَفْرِيقٍ بَيْنَ الأَحِبَّاءِ، أَوْ خَلْطٍ بَيْنَ حَقٍّ وَبَاطِلٍ، وَأَنْ يَكُونَ بَعِيدًا عَنِ الهُجْرِ وَالعَدَاوَةِ وَالبَغْضَاءِ( الهُجرأي القول القبيح)، وَلا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَطِيفًا غَيْرَ ثَقِيلٍ حَتَّى لا يُحْرِجَ الآخَرِينَ وَلا يُسِيءَ إِلَى أَحَدٍ وَلا يَحْـقِرَ أَحَدًا، وَلا يُقَلِّلَ مِنْ شَأْنٍ أَوْ مَنْزِلَةٍ أَوْ مَكَانَةٍ لأَحَدٍ، وَأَنْ يَكُونَ بَعِيدًا عَنْ حُقُوقِ النَّاسِ فَلا تُسْـتَحَلُّ بِهِ الحُرُمَاتُ وَلا يُحْصَلُ بِهِ عَلَى حَقِّ الآخَرِينَ، فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم : (لا يَأْخُذْ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ صَاحِبِهِ لاعِبًا وَلا جَادًّا فَإِذَا أَخَذَ أَحَدُكُمْ عَصَا صَاحِبِهِ فَلْيَرُدَّهَا إِلَيْهِ ) ، وَأَلاَّ يَكُونَ الهَدَفُ مِنَ المُزَاحِ تَرْوِيعَ الآمِنِينَ أَوْ تَخْوِيفَهُمْ أَوْ أَخْذَهُمْ عَلَى حِينِ غِرَّةٍ، أَوِ الدُّخُولَ عَلَيْهِمْ بَغْتَةً قَالَ صلى الله عليه و سلم: ( لا يَحِلُّ لِمُسلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْـلِمًا ).

فَاتَّقُوا اللهَ – عِبَادَ اللهِ -، وَتَأَدَّبُوا بِآدَابِ الإِسْلامِ وَتَخَلَّقُوا بِأَخْلاقِ رَسُولِكُمْ، وَاعلَمُوا أَنَّ الوَسَطِيَّةَ وَالاعتِدَالَ مَطْلُوبَانِ، فَقَدْ وَصَّى حَكِيمٌ وَلَدَهُ فَقَالَ لَهُ: اقْتَصِدْ فِي مُزَاحِكَ، فَإِنَّ الإِفْرَاطَ فِيهِ يُذْهِبُ البَهَاءَ وَيُجَرِّئُ عَلَيْكَ السُّفَهَاءَ، وَإِنَّ التَّقْصِيرَ فِيهِ يَفُضُّ عَنْكَ المُؤَانِسِينَ، وَيُوحِشُ مِنْكَ المُصَاحِبِينَ.

نفعني الله و إياكم بالذكر الحكيم و هدي سيدنا محمد النبي الامين صلى الله عليه و سلم سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين  و الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

* الحمد لله على نواله و إفضاله، والصلاة  والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، و على آله ، وعلى جميع من تعلق بأذياله ، و نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد

 أيها المومنون كان لابد من توجيه توضيحات  تخص صيام الست من شوال.فإن كثيرا من الناس عندهم ضبابية في طريقة صيامها: فقدْ ثبَتَ في الحديثِ الذي أخرجَهُ مسلمٌ عنْ أبي أيوبٍ الأنصاريِّ -رضي الله تعالى عنه-، عنِ النبيِّ-صلى الله عليه وسلم- أنه قال “مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ؛ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ ” [رواه مسلم] ومعنى الحديثِ –أيها المؤمنونـ  أنَّ مَنْ صامَ رمضانَ كاملاً فَلَمْ يكنْ عليهِ مِنْهُ قضاءٌ لِعُذْرٍ، ثم صامَ بعدَهُ مِنْ أيامِ شوالَ -غيرِ يومِ العيدِ- سِتّةَ أيامٍ؛ كان كمَنْ صامَ السَّنَة كلَّها. أما مَنْ كان عليه قضاءُ أيامٍ أفْطَرَها مِنْ رمضانَ لِعُذْرٍ؛ فَلْيُبادِرْ إلى صيامِها، فالفرضُ أولى بالتّقديم، ثم يُتْبِعُها بصيامِ سِتٍّ مِنْ شوالَ؛ لِيَتَحَقَّقَ له بذلك إكمالُ الصيامِ المفروضِ، ويَتِمَّ له إدراكُ فضْلِ السِّتِّ مِنْ شوالَ بعد ذلك.

وهنا مسائلُ ينبغي التنبيهُ عليها، تتعلقُ بصيامِ السِّتِّ مِنْ شوالَ:
فمِنْ ذلك: أنَّ بعضَ الناسِ يكونُ عليه قضاءُ يومٍ أو يومين مِنْ رمضان، فإذا صامَها في شوال؛ جَعَلها معدودةً مِنْ صِيامِ سِتّةِ أيامٍ مِنْ شوال! وهذا خلافُ الصواب. قال ابنُ رجبٍ – رحمه الله تعالى- : ((ولا يحصلُ له فضلُ صيامِ سِتٍّ مِنْ شوالَ بِصَوْمِ قضاءِ رمضان؛ لأنّ صيامَ السّتِّ مِنْ شوالَ إنما يكونُ بعد إكمالِ عِدّةِ رمضان)) اهـ كلامُه.

ثم هناك بعضُ الناسِ  من يصوم السِّتِّ من شوال لكنه يُنكِرُ ويَعيبُ على مَنْ تركَ صِيامَها أو صيامَ بعضِها، وهذا الإنكارُ في غيرِ محلِّه؛ لأنَّ صيامَها مِنْ باب الترغيبِ في الخيرِ، لا مِنْ بابِ الوجوب على المكلَّفِ ولكنْ مَنْ تركها؛ فقدْ تَرَكَ فَضْلاً عظيماً.

ومِنْ ذلك أيضًا: أنّ بعضَ الناسِ يتحرجُ مِنْ صِيام السِّتِّ مِن شوالَ بِحُجّةِ إنّهُ إذا صامَها -ولو سَنَةً واحدةً-؛ أصبحتْ واجبةً عليه في كلِّ سَنَةٍ بعدها! وهذا خطأ؛ لأن أصلَ صِيامِها ليسَ واجِبًا في أصْلِ الشرعِ، بلْ مَنْ صامَها؛ فَهُوَ مأجُورٌ، ومَنْ تركَ صِيامَها؛ فهو غيرُ مأزُورٍ، ولكنّهُ فَرّطَ في خَيْرٍ كثير.

ومِنْ ذلك أيضًا: أنّ بعضَ الناسِ يعتقدُ أنّ فضيلةَ صيامِ السّتِّ مِنْ شوالَ تكونُ بعدَ العيدِ مُباشرةً، وأنّ فضلَها ينقصُ كلّما أخّرَها عن أوّلِ الشهر! وهذا غير صحيح؛ إذْ إنّ وقتَها مفتوحٌ طوالَ شهرِ شوالَ، فمَنْ شاء؛ صامَها في أولِ الشهر، أو في أوسطِه، أو آخرِه، وفي كلٍّ خير.

ومِنْ ذلك أيضاً: أنّ بعضَهم يَظُنُّ أنّ فضلَ صِيامِها لا يتحقّقُ إلا بالتتابُعِ في أيامِها! وهذا كسابِقِه لا دليلَ عليه، والأمرُ في ذلك واسع؛ فيجوزُ صومُها متتابعةً سَرْدًا، ويجوزُ صومُها مُتفرِّقةً خلالَ الشهر. فلا فرْقَ بين أنْ يُتابِعَها أو يُفَرِّقَها مِنَ الشهرِ كلِّه، وهما سواءٌ. نعم، يصح أن يُقالَ: إنّ المبادرةَ في أولِ الشهر بِصومِها مُتتابِعَةً مِنْ بابِ المسارعةِ إلى فِعْلِ الخيراتِ.
عباد الله استعينوا على أموركم كلها بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق  و الخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره و مقداره العظيم. صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، و تقضي لنا بها جميع الحاجات وتطهرنا بها من جميع السيئات، و ترفعنا بها أعلى الدرجات و تبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة و بعد الممات، آمين. و ارض اللهم عن أصحاب رسولك وخلفاء نبيك القائمين معه وبعده على الوجه الذي أمربه و ارتضاه و استنه خصوصا الخلفاء الأربعة، و العشرة المبشرين بالجنة  والأنصار منهم و المهاجرين، و عن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، اللهم انفعنا يا مولانا بمحبتهم،  و انظمنا يا مولانا في سلك ودادهم، و لاتخالف بنا عن نهجهم القويم و سنتهم،(ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولاتجعل في قلوبنا غلا  للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم .)

(سبحان ربك رب العزة عما يصفون، و سلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين).

الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى فضل الله و رحمته :

” ذ. سعيد منقار بنيس”

الخطيب بمسجد ” الرضوان ” لافيليت /عين البرجة/ الدار البيضاء

أستاذ العلوم الشرعية

بالمدرسة القرآنية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني

مفتش منسق جهوي لمادة التربية الإسلامية للتعليم ثانوي متقاعد 

  البريدالالكتروني mankarbennissaid@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى